
أخبرنا النبي ﷺ أن أفضل الصيام بعد رمضان صيام المحرم، ومع هذا فقد ثبت أنه كان يكثر من الصيام في شعبان، فكيف يمكن الجمع بين الحديثين؟ وأيهما أفضل صوم شعبان، أم صوم شهر الله المحرم؟!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم» رواه مسلم (1982).
عُلم من هذا الحديث أن أفضل الصيام بعد رمضان هو صيام شهر الله المحرم.
ومع هذا فقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان. صحيح البخاري (3/ 38).
قال الإمام النووي رحمه في شرحه على صحيح مسلم: فإن قيل أن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم؟ فالجواب: لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة، قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر ومرض وغيرهما.
لكن الحافظ ابن رجب يرى تفضيل صوم شعبان، وكونه بالنسبة لرمضان كالسنة الراتبة، وأما كون الصوم في المحرم أفضل، هو باعتبار التنفل المطلق، فلا يدخل فيه صوم شعبان.
فأفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده.
فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه. ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان المحرم": محمولاً على التطوع المطلق بالصيام...
كما أن قوله في تمام الحديث "وأفضل الصلاة بعد المكتوبة: قيام الليل" إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء خلافًا لبعض الشافعية.
الخلاصة: أفضل الصيام المطلق والتطوع المطلق إنما يكون في شهر الله المحرم، وأفضل الصيام المرتبط برمضان إنما يكون في شعبان، لفعله صلى الله عليه وسلم، وكون صيام شعبان لرمضان كالنافلة الراتبة للفريضة.
شارك الفائدة مع أحبابك وكن دليلهم على الخير...
المصادر:
شرح النووي على مسلم (8/ 37).
لطائف المعارف لابن رجب (ص: 129).