
ابتلاع النخامة (البلغم) أثناء الصلاة مختلف فيه بين العلماء، فمنهم من جعله مبطل للصلاة وذلك إن تمكن المصلي من طرحها ولم يفعل، فمن ابتلع نخامة أثناء الصلاة عمدًا مع قدرته على طرحها فقد بطلت صلاته. قال الحطاب في مواهب الجليل المالكي: من ابتلع نخامة في الصلاة وهو قادر على طرحها (أي إخراجها في منديل) بطلت صلاته وصومه إن كان صائمًا.
وقال الشربيني الخطيب في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع وهو شافعي متحدثًا عن مبطلات الصلاة: وابتلاع نخامة نزلت من رأسه (أنفه) إن أمكنه مجها ولم يفعل.
ومنهم من جعله غير مفسد للصلاة، واستدلوا بأن البلغم طاهر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ؟ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَ الْقَاسِمُ – أحد رواة الحديث- فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. صحيح البخاري (413) صحيح مسلم (550).
قال ابن قدامة رحمه الله: ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه. المغني (1/415).
وبلعه في الصلاة ليس له حكم الطعام والشراب؛ لأنه ليس طعامًا ولا شرابًا ولا في معنى الطعام والشراب.
وحيث إن البلغم طاهر، وليس بطعام ولا بشراب، ولا في معناهما: فإذا بلعه المصلي وهو في الصلاة فصلاته صحيحة، وخاصة إذا غلبه، ولم يتمكن من إخراجه في منديل ونحوه.
وبلع البلغم مستقذر عادة، والمشروع: أن الرجل يخرجه في منديل أو نحوه، ولا يبتلعه.
وهنا لا بد وأن نعرج على مسألة (تفل المخاط في المسجد) لأنه قد يفهم من الحديث إطلاق جواز تفل المخاط في المسجد:
فلا خلاف بين الفقهاء في أنّ تفل الفضلات الطّاهرة المستقذرة من مخاطٍ ونحوه من بصاقٍ ونخامةٍ محظور, لحديث: «البزاق في المسجد خطيئة». صحيح البخاري (415) صحيح مسلم (552)
وعن أنسٍ رضي الله عنه: «أنّ النّبيّ رأى نخامةً في قبلة المسجد فغضب حتّى احمرّ وجهه، فجاءت امرأة أنصاريّة فحكّتها, وجعلت مكانها خلوقاء, فقال صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا». سنن ابن ماجه (762).
ويصان المسجد من بزاقٍ, ولو في هوائه, فإن كانت أرضه حصباء ونحوها كالتراب والرّمل فكفّارتها دفنها, وإن لم تكن حصباء بل كانت بلاطاً أو رخاماً مسح النخامة بثوبه أو غيره, لأنّ القصد إزالتها, ولا يكفي تغطيتها بحصير, لأنّه لا إزالة في ذلك, وإن لم يزلها فاعلها لزم غيره من كلّ على علم بها إزالتها بدفن أو مسحٍ تبعاً لحالة الأرض.