Get AlMosaly now!
Almosaly Articles >> تدبرات قرآنية

آية الكرسي: أعظم آية في القرآن (1)

آية الكرسي: أعظم آية في القرآن (1)
2025/09/03
33,232

في زحام الحياة، وتوالي فتنها، وتصارع أمواج الشبهات، يغفل كثيرٌ من الناس عن معينٍ صافٍ، وكنزٍ عظيمٍ، هو أعظم ما يمكن أن يستضيء به قلبٌ، وتطمئن إليه نفسٌ، وتستقيم به حياةٌ. إنه كلام الله، القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 هذا الكتاب المعجز، بما يحويه من آيات بينات، وسورٍ مجيدات، قد فضَّل الله بعضَ سوره وآياته على بعضٍ بما حوت من عظيمِ المعاني وجليلِ المقاصد.

ومن بين هذه الجواهر النفيسة، تتلألأ آيةٌ كريمةٌ، وضاءةٌ بهيةٌ، أجمع أهل العلم على عظيم قدرها، ورفيع مكانتها، لما اشتملت عليه، لتكون مناراتٍ هادية، ومحطاتٍ إيمانيةً نتزود منها إنها.

 

آية الكرسي.

آيةٌ جمعت أصول التوحيد، وقواعد الإيمان، وتجلَّت فيها أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فكانت بحقٍّ جديرةً بأن تكون "أعظم آية في كتاب الله".

فما السر في هذه العظمة؟ وماذا تخبئ آية الكرسي من كنوزٍ ومعانٍ تستحق منا الوقوف عندها والتأمل فيها والعمل بمقتضاها؟ دعونا نغوص في أعماق هذه الآية المباركة، لنستكشف أسرارها، ونتذوق حلاوة معانيها، وننتفع ببركاتها.

 

أعظم آية في القرآن: آية الكرسي

لقد فضَّل الله تعالى بعض السور على بعض، كفضائل سورة الفاتحة التي هي أم القرآن، كما فضَّل بعض الآيات على بعض، وكانت آية الكرسي هي القمة والذروة في هذا التفاضل.

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: ﷺ «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، ‌أَتَدْرِي ‌أَيُّ ‌آيَةٍ ‌مِنْ ‌كِتَابِ ‌اللهِ ‌مَعَكَ ‌أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، ‌أَتَدْرِي ‌أَيُّ ‌آيَةٍ ‌مِنْ ‌كِتَابِ ‌اللهِ ‌مَعَكَ ‌أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: {اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ، أَبَا الْمُنْذِرِ». [صحيح مسلم (810)]

إنها آية الكرسي، التي جاءت في سورة البقرة، الآية الخامسة والخمسين بعد المائتين:

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾ [البقرة: 255]

لقد هنَّأه النبي ﷺ على هذا العلم النافع الذي حواه صدره، فهو أقْرَأُ الأمة لكتاب الله، ولم تكن قراءة القارئ زمن النبي ﷺ دون علْمٍ وعمل.

 وها هو قد عَلِم أعظمَ آية؛ لما فيها من أصول الدين وقواعده، ولما تحويه من أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى.

وأي علمٍ ينفع صاحبه مثل العلم بكتاب الله؟

عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "سَلُوا اللهَ عِلْمًا نَافِعًا، ‌وَتَعَوَّذُوا ‌بِاللهِ ‌مِنْ ‌عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ.» [(حسن) سنن ابن ماجه (3843)]

وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا» [(صحيح) سنن ابن ماجه (925)]

إنَّ كثيرًا من العلوم التي يبذُل لها بعضُ الناس أعمارَهم وأموالهم، ويفرحون بها ويبتهجون، تكون وبالاً عليهم وخسارًا إن لم تقترن بالإيمان والعمل الصالح وخدمة الحق؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ [النجم: 30].

«قال الفراء: ‌صغرهم ‌وازدرى ‌بهم، ‌أي ‌ذلك ‌قدر ‌عقولهم ‌ونهاية ‌علمهم ‌أن ‌آثروا ‌الدنيا ‌على ‌الآخرة.» [تفسير القرطبي (17/ 105)]

 لكن العلم بكتاب الله، وفهم هذه الآية العظيمة، هو علمٌ نافعٌ بلا شك، يورث الخشية، ويزيد الإيمان، ويدعو إلى العمل الصالح.

 

تفسير آية الكرسي:

هذه الآية الكريمة اشتملت على عشر جمل مستقلة، كل جملة منها تمثل قاعدة عظيمة في العقيدة، وتبرز جانباً من جوانب كمال الله تعالى وعظمته، وهي:

افتتاح الآية بـ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ توحيد الألوهية:

هذه هي الجملة الأولى، وهي أساس التوحيد وركن الإسلام الأول، بل محور الرسالات السماوية كلها.

إنها إخبارٌ بأنه سبحانه المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق، فلا معبود بحقٍّ إلا هو سبحانه وتعالى فهو المستَحق وحده للعبادة، لا شريك له ولا ند.

 بهذه الكلمة أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وعليها قامت السماوات والأرض، ومن أجلها خلق الله الجنة والنار.

قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: 2]، هذه الكلمة هي جوهر الإيمان، وبها ينقلب العبد من الكفر إلى الإسلام، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق الحق.

 

2. ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾

    هذان اسمان جليلان من أسماء الله الحسنى، وهما من أعظم أسمائه تعالى.

 "الْحَيُّ" أي: الحي في ذاته، الذي لا يعتريه موتٌ ولا فناءٌ ولا نقصٌ، حياته كاملة أزلية أبدية، لم تُسبق بعدم ولا يلحقها فناء، وهو الحي الذي يهب الحياة لغيره.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ. [صحيح مسلم (2717)].

 

 أما "الْقَيُّومُ" فمعناه: القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى أحد، وهو القائم بأمر غيره، فجميع الموجودات لا قوام لها إلا بأمره وتدبيره ورعايته.

قال تعالى: «{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} هو الله ‌القائم ‌على ‌كل ‌نفس ‌بما ‌كسبت يأخذها بما جنت ويثيبها بما أحسنت.» [غريب القرآن لابن قتيبة (ص228)]

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ‌بِرَحْمَتِكَ ‌أَسْتَغِيثُ». [(حسن) سنن الترمذي (3524) وفي صحيح الجامع (4777)]

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِفَاطِمَةَ: " مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ‌بِرَحْمَتِكَ ‌أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ» [(حسن) السنن الكبرى - النسائي (10330) وفي صحيح الترغيب والترهيب (661)]

 

اسم الله الأعظم في آية الكرسي

وآية الكرسي فيها اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعِي به أجَاب، وإذا سُئِل به أعْطَى؛ كما جاء في الحديث: «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه». [(صحيح) سنن ابن ماجه (3856)] صحيح الجامع (979)]

أما في البقرة، فقوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، وأما في آل عمران، فقوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران: 2]، وأما في طه، ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: 8]

«{اللَّهُ}: هو الاسم الأعظم الّذي تفرد به الحق سبحانه، واختصه لنفسه، وقدَّمه على سائر أسمائه.

هو الاسم الجامع لجميع صفات الكمال الإلهية، وكل اسم من أسمائه نعت له، فهو يدل على المعبود، ولا معبود إلَّا هو. [تفسير القرآن الثري الجامع (1/ 507)]

    وقيل: الحي القيوم: هو اسم الله الأعظم.

 

    3. ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾

هذه الجملة تدل على كمال حياته وقيوميته المطلقة. فـ "السِّنة" هي النُّعاس الذي يسبق النوم. والله تعالى منزه عن كل صفات النقص، لا يغلبه نوم ولا نعاس، لكمال حياته وعظيم قيوميته.

عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عز وجل لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ -، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ.» [صحيح مسلم (179)]

هذا يدل على دوام رقابته وعنايته بكل شيء في ملكوته، فلا يغفل طرفة عين ولا ينام.

فالله لا ينام، بل هو حي قيُّوم، وسيرى المكذِّبون ذلك يوم القيامة: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: 6]

وبتوفيق الله نتابع هذه الدرر؛ في الفائدة التالية بإذن الله تعالى.  

آية الكرسي: أعظم آية في القرآن 👉تابع الفائدة من هنا الآن.

شارك هذه الفائدة مع غيرك، وساهم في نشر العلم النافع.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

_____________

 هل استفدت من هذه الفائدة؟

Related Articles

2025/08/31
157,643

خسوف القمر 7 سبتمبر 2025 وصلاة الخسوف

في مساءٍ مهيب، يُتوقع خسوف القمر ليلة الأحد السابع من سبتمبر 2025م، فيشهد العالم خسوفًا قمريًا كليًا، صلاة الخسوف سنّة مؤكدة تُصلّى ركعتين.

2025/08/27
39,847

حكم صلاة الكسوف والخسوف

الكسوف والخسوف آيتان عظيمتان من آيات الله، يخوّف بهما عباده، تعرف على حكم صلاة الكسوف والخسوف،

2025/08/27
36,792

سنن وآداب صلاة الكسوف

صلاة الكسوف من السنن العظيمة التي تذكّر العباد بآيات الله وقدرته، اكتشف آداب وسنن صلاة الكسوف

With the Al-Mosaly app, Know the nearby mosques, wherever you are, with the utmost accuracy.

Download Now

Madar Programming © 2025 All rights reserved for Madar Programming

Powered by Madar Software