Get AlMosaly now!
Almosaly Articles >> واحة الذكر

كنزٌ من الذكر... في أربع كلمات!🌿

كنزٌ من الذكر... في أربع كلمات!🌿
2025/07/28
37,056

الذكر المضاعف: سبحان الله وبحمده...

 

إنّ من أكرم ما ينطق به اللسان، ويتحرّك به القلب، هو ذِكر الله جلّ وعلا؛ من تسبيحٍ وتهليلٍ وتحميدٍ، وتلاوةٍ لكتابه العظيم، والصلاة والسلام على نبيّه الكريم ﷺ، والإكثار من دعائه تعالى.

لكنّ ثمرة هذا الذكر والدعاء لا تكتمل إلا إذا اقترن بالإيمان الصادق، والإخلاص لله وحده، مع حضور القلب واستحضار عظمة الربّ وجلاله وقدرته، فحينها تُشرق الأرواح، وتسمو القلوب، ويبلغ الذاكر منازل القرب والمحبة.

قال تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: 37]، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]  ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 22]، ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: 16]، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].

 

وقد أشار النبي ﷺ إلى كنزٍ عظيم من كنوز الذكر، يغفل عنه كثيرٌ من الناس، مع أنّه لا يتجاوز أربع كلمات، تُقال ثلاث مرّات فقط، لكنها في الميزان تعدل ذكرًا متواصلًا من طلوع الفجر حتى ارتفاع الضحى!

سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

فما الذي يمنح هذه الكلمات قدرًا عظيمًا إلى هذا الحد؟ وكيف كشف لنا النبي ﷺ عن هذا السرّ الرباني الذي لا تبلغه العقول وحدها؟

في هذه الفائدة، نفتح باب التأمّل في هذا الذكر الجليل، نستعرض أبعاده اللغوية، ونغوص في دلالاته الإيمانية، لنقف على أسراره التي تروّي الأرواح، وتقرّب من الرحمن.

القصة النبوية التي فجّرت الكنز

عَنْ جُوَيْرِيَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، ‌عَدَدَ ‌خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.» [صحيح مسلم (2726)]

تلك الكلمات، مع قلتها، من أعظم الأذكار وأكثرها أجرا وأثقل من ذكرٍ امتد لساعات.

قال القاري رحمه الله: "لَوَزَنَتْهُنَّ أَيْ: «‌لَتَرَجَّحَتْ ‌تِلْكَ ‌الْكَلِمَاتُ ‌عَلَى ‌جَمِيعِ ‌أَذْكَارِكِ ‌وَزَادَتْ ‌عَلَيْهِنَّ ‌فِي ‌الْأَجْرِ ‌وَالثَّوَابِ» [مرقاة المفاتيح (4/ 1595)]

قال القرطبي رحمه الله تعالى: (لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن) أي: لرجحت عليهن في الثواب. ‌وهو ‌دليل ‌على ‌أن ‌الدعوات ‌والأذكار ‌الجوامع ‌يحصل ‌عليهن ‌من ‌الثواب، ‌أضعاف ‌ما ‌يحصل ‌على ‌ما ليست كذلك. ولذلك كان ﷺ يحب الدعوات الجوامع.» [المفهم (7/ 52)]

ورواه الترمذي، والنسائي بلفظ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِهَا قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالَ لَهَا: مَا زِلْتِ عَلَى حَالِكِ؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهَا؟ سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، ‌سُبْحَانَ ‌اللهِ ‌رِضَا ‌نَفْسِهِ، ‌سُبْحَانَ ‌اللهِ ‌رِضَا ‌نَفْسِهِ، ‌سُبْحَانَ ‌اللهِ ‌رِضَا ‌نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ. [سنن الترمذي (3555)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، والنسائي (1352)]

وقوله (وهي في مسجدها) أي موضع صلاتها في البيت.

قال ابن القيم رحمه الله: إن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول سبحان الله وبحمده عدد خلقه من معرفته وتنزيهه وتعظيمه من هذا القدر المذكور من العدد أعظم مما يقوم بقلب القائل سبحان الله فقط. وهذا يسمى الذكر المضاعف وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد.» [المنار المنيف (ص35)]

وروى ابن حبان (830) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟، قَالَ: أَذْكُرُ رَبِّي، قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ وَالنَّهَارَ مَعَ اللَّيْلِ؟ أَنْ تَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ. [سلسلة الصحيحة (2578) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي]

ورواه أحمد ولفظه: «مَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَسُبْحَانَ اللهِ مِثْلَهَا، فَأَعْظِمْ ذَلِكَ» [مسند أحمد (22144) وصححه محققوه].

فهذه كلها سياقات واردة، والأفضل في مثل ذلك: أن ينوع الذاكر، يذكر هذا تارة، وهذا تارة.

بلاغة المعاني وعبق التأمل الإيماني.

سبحان الله وبحمده

التسبيح تنزيهٌ لله عن كل نقص، وتقديسٌ لجلاله، وتنبيه على عظمة الله، والحمد اعترافٌ بكماله، وشكرٌ على نعمه بالقلب واللسان

وهذه العبارة تجمع بين التنزيه والكمال، فتُقدّم الثناء الكامل تنزيه مع شكر.

1- «عدد خلقه»

أي أُسبّح الله تسبيحًا بقدر عدد مخلوقاته، من ملائكةٍ، وإنس، وجن، ونجوم، وسائر مخلوقاته ممن كان وممّن هو كائن، خلقٌ لا يُحصى ولا يُحدّ، يتجدّد باستمرار، هذا العدد لا يعلمه إلا الله، وهو يتجدد، فلا يمكن أداؤه أو إدراكه وبالتالي، يسبح العابد الله بهذا الذكر تسبیحًا يساوي كم عددٍ لا يُحصى ولا يُحدّ ولا يعلم كثرته إلا الله.

2- «رضا نفسه»

 أي أسبّح الله تسبيحًا حتى ترضى نفسُه - سبحانه - وهو أمر لا منتهى له. وإذا كان إحسانه - سبحانه - وثوابه وبركته وخيره لا منتهى له وهو من موجبات رضاه فكيف بصفة الرضا؟

ولأن رضا الله لا حدّ له، فإن هذا الذكر يتجاوز الكمّ، ليصل إلى مقام الرضا المطلق، وهو من أعلى مقامات العبودية.

3- «زنة عرشه»

العرش العظيم الذي هو أعظم المخلوقات، وأثقلها وزنًا، وهو سقف المخلوقات، الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة، والسموات بالنسبة للكرسي كحلقة في فلاة، وسعته لا يعلمها إلا الله.

فالعبد هنا يُنزّه الله تعالى تنزيهًا يعادل وزن هذا العرش العظيم، في تسبيحٍ يُظهر جلال الله وعظمته في قلب المؤمن.

 

4- مِدَادَ كَلِمَاتِهِ:

أي أسبّح الله تسبيحاً يبلغ مداد كلماته أي: مقدار عدد كلماته وأقضيته وأوامره، وهو مما لا يمكن عدّه وتعداده.

 كم من المداد للكلمات؟ قال تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [لقمان: 27] المعنى: لو أن ما في البر من شجرة جُعلت أقلام يُكتب بها، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر وجُعلت مداد يُكتب به لتكسرت الأقلام ونفذت مياه البحار ولم تنفد كلمات الله، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، فكلمات الله لا تنفد، وتسبيح العبد بهذا المقدار يُشير إلى ما لا نهاية له من التنزيه والثناء.

قوله (مداد كلماته) معناه ‌مثلها ‌في ‌العدد ‌وقيل ‌مثلها ‌في ‌أنها ‌لا ‌تنفد ‌وقيل ‌في ‌الثواب.. والمراد المبالغة به في الكثرة لأنه ذكر أولا ما يحصره العد الكثير من عدد الخلق ثم زنة العرش ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك وعبر عنه بهذا أي ما لا يحصيه عد» [شرح مسلم (17/ 44)]

وكلمات الله نوعان

كلمات شرعية وهو: ما شرعه لخلقه من الشرائع والأحكام.

وكلمات قدرية وهو: ما قدره الله في كونه وعلى خلقه، وهو ما لا يمكن لأحد أن يحيط به.

وكلمات الله صفة من صفاته، وصفاته لا إدراك لكنهها ولا الإحاطة بها.

 فإذا تأمّلت هذه المعاني عرفت عظمة هذا الذكر "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"

آثار هذا الذكر في القلب والسلوك

  1. - تقوية الشعور بالتواضع

حين تتأمل عدد المخلوقات وعظمة الخلق وثقل العرش، تعلم صِغَر نفسك أمام جلال الله، فتتواضع له.

وبتسبيح الله بعدد خلقه وزنة العرش، يتواضع العبد مستشعرًا حدّ صغره.

  1. - تزكية النفوس

قولك "وبحمده" يُذكّرك بنعم لا تُعدّ ولا تُحصى. ويهيئ القلب للتقرب لله تعالى.

3 - يسهّل العبادة

ذكرٌ يُقال في دقائق، أربع كلمات ثلاث مرات، يعدل بثوابٍ يمتدّ لساعات، يُظهر يسر هذا الدين.

4 - يُعلّم التوحيد عمليًّا

كل مفردة في الذكر تُرسّخ التوحيد، وتعزّز صفاء العقيدة، وتغرس المعاني الإيمانية في القلب وتُدرِك شيئًا من عظمة من تعبده، فتزداد قُربًا منه.

 

خطوات عملية لتفعيل هذا الذكر في حياتك

 لا تدع هذه الكلمات تمرُّ كهمسٍ في الهواء.

•       كرّره ثلاثًا في الصباح والمساء.

•       اختر وقت صفاء ذهني وخلوة قلبية، لتقوله وأنت حاضر الفكر.

•       تخيّل المعاني أثناء الترديد عدد الخلق، العرش، الرضا، الكلمات.

•       اكتبه بخط جميل في بيتك أو مكتبك، ليكون تذكيرًا دائمًا.

خاتمة دعوية مؤثرة

اجعل هذه التسبيحة رفيقة لك في الصباح والمساء، ورفيقة قلبك، ففيها ذكرٌ لا يُعد، وثناء لا يُحد، وأجر لا يُقاس.

فابدأ الآن: قُلها ثلاثًا، بقلبٍ حاضر، ولسانٍ شاكر، ونيّةٍ خالصة.. وشارِك الفائدة مع من تحب، لعلّها تكون سببًا في رفعة درجاتك ودرجاتهم.

سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Related Articles

2025/07/20
41,479

المسارعة إلى الخيرات📜

عُمرٌ يتآكل، ونَفَسٌ يَذهب، وأجلٌ يقترب. والموفّق مَن علم أن الدنيا مزرعةٌ للآخرة،

2025/07/24
33,410

التشاؤم والخرافة.. يهددان العقيدة

جاء الإسلام ليُطهّر القلوب من الأوهام، ويُرسّخ التوحيد، ويُربّي الناس على التوكل على الله. فإياكم والتطير، وإياكم والتشاؤم

2025/07/16
17,205

فضل ذكر الله وأثره في طمأنينة القلب

في عالم امتلأت أرجاؤه بالهموم، واضطربت فيه القلوب؛ يبقى ذكر الله تعالى الملاذ الآمن، والبلسم الشافي

With the Al-Mosaly app, Know the nearby mosques, wherever you are, with the utmost accuracy.

Download Now

Madar Programming © 2025 All rights reserved for Madar Programming

Powered by Madar Software