فضل الدعاء في رمضان

شهر رمضان ليس مجرد شهر للصيام والقيام وقراءة القرآن فقط، بل هو أيضًا شهر الدعاء، حيث تُفتح فيه أبواب السماء، وتفتّح فيه أبواب الجنة، وتتنزل فيه الرحمة، وتُعتق الرقاب من النار. قال تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]

فماذا لو كان هذا الدعاء قد عطره طيب خُلوفك وأنت صائم، أو أضاءته قناديل قلبك الساجد بين يدي الكريم الجَوَاد الودود في الثلث الأخير من الليل وهو يتودَّدُ لعباده ليستغفروه؟! لم لا نستغل كرم الكريم، وننكسر بين يديه، ونقبل على عطائه وقد فتح لنا أبوابه وهيأ لنا خزائنَ جوده في كل آنٍ وحين.

فلا ينسى العبد نفسه من الدعاء في هذا الشهر الكريم، فهو وسيلة العبد للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

«وفي ذكره تعالى هذه ‌الآية ‌الباعثة ‌على ‌الدعاء ‌متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى اجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر». [تفسير ابن كثير (2/ 66)]

فلا تعجِزْ عن طرق بابه، واستكثر من إعادة القرع، وأنِخْ مطاياك بباب الحَيِيِّ الذي يستحيي أن يرد صفرًا من يمد إليه يديه.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "‌ثَلَاثَةٌ ‌لَا ‌تُرَدُّ ‌دَعْوَتُهُمُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ». [(حسن) مسند أحمد (8043) والترمذي (3598) وقال هذا حديث حسن وابن ماجه (1752)]

وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ‌لِكُلِّ ‌عَبْدٍ ‌مِنْهُمْ ‌دَعْوَةٌ ‌مُسْتَجَابَةٌ». [مسند أحمد (7450)، وقال محققوه إسناده صحيح على شرط الشيخين]، وهذا الحديث مقيد بشهر رمضان.

1 - الدعاء عبادةٌ نتقرَّب بها إلى الله:

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: " ‌الدُّعَاءُ ‌هُوَ ‌الْعِبَادَةُ، {قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] [(صحيح): سنن أبي داود (1479) وابن ماجه (3828) والترمذي (3528)]

فسبحان الله العظيم، جعل سؤال عبده لحوائجه وما يصلحه في الدنيا والآخرة عبادة، وأمر العبد به، واعتبر الذين لا يدعونه عز وجل ولا ينزلون حوائجهم به مستكبرين، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]

قال الشوكاني: «أفاد ذلك أن الدعاء عبادة ‌وأن ‌ترك ‌دعاء ‌الرب ‌سبحانه ‌استكبار ‌ولا ‌أقبح ‌من ‌هذا ‌الاستكبار وكيف يستكبر العبد عن دعاء من هو خالق له ورازقه وموجده من العدم وخالق العالم كله ورازقه ومحييه ومميتة ومثيبة ومعاقبة فلا شك أن هذا الاستكبار طرف من الجنون وشعبة من كفران النعم». [تحفة الذاكرين (ص33)]

 وقال النبي ﷺ: مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ غَضِبَ الله عليه». [صحيح الأدب المفرد (ص246)]

فينبغي للمسلم ألا يغفلَ عن هذه العبادة العظيمة الجليلة.

2 - الدعاءُ يردُّ عنك المصائب:

 من رحمة الله أنه لا يضيع دعاء عباده، فإما أن يستجيب لهم، أو يدخره لهم في الآخرة، أو يصرف عنهم من السوء مثله.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيَّ ﷺ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو، ‌لَيْسَ ‌بِإِثْمٍ ‌وَلَا ‌بِقَطِيعَةِ ‌رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ إِحْدَى ثَلَاثٍ:

1-      إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ،

2-      وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ،

3-      وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا".

قَالَ: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: "الله أكثر".». [(صحيح): صحيح الأدب المفرد (550)]

رأى أحد العلماء رجلاً يتردد على أحد الملوك، فقال له: يا هذا! تذهب إلى من يسد دونك بابه، ويظهر لك فقره، ويخفي عنك غناه، وتدعُ من يفتح لك بابَه ويظهر لك غناه، ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].

قال يحي ابن معاذ:

يا من يغضب على من لا يسأله لا تمنع من سألك.

ولقد أحسن من قال:

لا تسألنَّ بُنَيَّ آدمَ حاجةً … وسل الذي أبوابُهُ لا تحجبُ

اللهُ يغضبُ إن تركت سؤالَه … وبنيُّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ

فالله عز وجل يغضب حين لا يسأله العبد، أما ابن آدم يغضب حين يُسأل؛ لأن الله عز وجل غني كريم يحب أن يتفضّل على عباده، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺقَالَ: «يَدُ اللهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، ‌سَحَّاءُ ‌اللَّيْلَ ‌وَالنَّهَارَ. وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ. وَقَالَ: عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ.». [صحيح البخاري (7411) واللفظ له ومسلم (993)]

وقال النبي ﷺ: "‌إنَّ ‌الله ‌حَيِيٌّ ‌كريم، ‌يَسْتَحي إذا رَفع الرجلُ إليه يدَيه أن يردَّهما صِفْراً خائبتين".». [(صحيح) صحيح الترغيب (1635)]

3 - الدعاء يجعلُك عند الله كريمًا:

لأنَّ الدعاءَ كريمٌ على الله تعالى، فمَن داوَم عليه كان عند الله كريمًا؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ ‌أَكْرَمَ ‌عَلَى ‌اللَّهِ ‌من ‌الدعاء"». [(حسن) سنن الترمذي (3665) ، وسنن ابن ماجه (3829) وفي صحيح الأدب المفرد (552)]

4 - الدعاء سببٌ مِن أسبابِ المغفرة:

وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، ‌إنَّكَ ‌مَا ‌دَعَوْتَنِي ‌وَرَجَوْتَنِي ‌غَفَرْتُ ‌لكَ ‌عَلَى ‌مَا ‌كَانَ ‌مِنْكَ ‌وَلَا ‌أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرابِهَا مَغْفِرَةً».[(حسن)  رواه الترمذي (3540)، وقال: «حديث حسن»].

لذا، ينبغي للمسلم أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالإلحاح في الدعاء، ولنجعل قلوبنا متعلقة بالله، سائلين منه الرحمة والمغفرة والنجاة من النار.

انشر تؤجر.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه