
سبحان من فضَّل هذه الأمة وفتح لها أبواب الفضائل. فما من عمل عظيم يقوم به قوم ويعذر عنه آخرون إلا وقد جعل الله عملا يعادله أو يفضل عليه، فتتساوى الأمة كلها في القدرة عليه.
ولما كان الجهاد أفضل الأعمال ولا قدرة لكثير من الناس عليه، كان الذكر الكثير الدائم يساويه ويفضل عليه، وكان العمل في عشر ذي الحجة يفضل عليه إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع منهما بشيء.
ولما كان الحج والعمرة من أفضل الأعمال ولا قدرة لكثير من الناس عليه شرع الله تبارك وتعالى أعمالا لها أجرُ الحج، والعمرة، وهذه الأعمال كالحج في الجزاء لا في الإجزاء فمن عملها لا يسقط عنه حجة الإسلام.
منها:
- الصلاة في جماعة.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضى الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» [حسن: رواه أبو داود (558)، وحسنه الألباني.].
2- صلاة الفجر في جماعة والجلوس إلى شروق الشمس لذكر الله وصلاة ركعتين.
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» [حسن: رواه الترمذي (586)، وحسنه.].
3-العمرة في شهر رمضان تعدل حجة مع النبي ﷺ.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ لامرأة من الأنصار: (ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان [بعيران]، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحا ننضح عليه [نسقي عليه] الأرض، قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة) وفي رواية لمسلم: (حجة معي). البخاري (1782) ومسلم (1256).
قال الحافظ: «فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض». «فتح الباري لابن حجر» (3/ 604)
4- الخروج إلى المسجد لتعلم العلم أو تعليمه:
عن أبي أمامة عن النبي ﷺ قال: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه، كان له كأجر حاج، تاما حجته"». [حسن صحيح: صحيح الترغيب (86 - (3))]
5-التسبيح، والتكبير، والتحميد بعد الصلوات المكتوبة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء الفقراء إلى النبي ﷺ فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون. قال: ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلا من عمل مثله؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين. [صحيح البخاري (843)، ومسلم (595)].
6-أداء الواجبات الشرعية واجتناب المحرمات.
«أداء الواجبات كلها أفضل من التنفل بالحج والعمرة وغيرهما؛ فإنه ما تقرب العباد إلى الله تعالى بأحب إليه من أداء ما افترض عليهم. وكثير من الناس يهون عليه التنفل بالحج والصدقة ولا يهون عليه أداء الواجبات من الديون ورد المظالم، وكذلك يثقل على كثير من النفوس التنزه عن كسب الحرام والشبهات، ويسهل عليها إنفاق ذلك في الحج والصدقة». [لطائف المعارف (ص439)]
- المشي في حاجة المسلم.
قال الحسن: مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة». [لطائف (ص439)]
وما أجمل ما قاله بن رجب في لطائفه" من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عرفه. من عجز عن «المبيت بمزدلفة فليبت عزمه على طاعة الله، وقد قربه وأزلفه. من لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف، فليقم لله بحق الرجاء والخوف. من لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنى. من لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت؛ فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد». «لطائف المعارف» (ص501).
نسأل الله تعالى أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين، وأن يجعلنا من أهل طاعته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك.