وفاة العز بن عبد السلام

هو الإمام الكبير والعالم العامل، عبد العزيز بن عبد السلام بن القاسم الدمشقي ثم المصري، الملقب بعز الدين أو العز، المشهور بسلطان العلماء كما أطلق عليه ذلك تلميذه ابن دقيق العيد، وذلك من شدة إنكاره على الأمراء والسلاطين، ولد العز في دمشق سنة 578هـ، ولم يقبل على دراسة العلم إلا بعد أن جاوز فترة الشباب، لانشغاله بإعالة أسرته لفقره، وتلقى علومه على يد كبار علماء دمشق مثل ابن عساكر والآمدي، وتفقه على المذهب الشافعي، وبرع فيه جدًا، وذاعت شهرته بين الناس بعد أن تولى الخطابة في الجامع الأموي، لبلاغته وفصاحته وقيامه الشديد على البدع وأهلها، وإبطاله لكثير من البدع بدمشق.

اضطر للخروج من دمشق بعد فتواه الشهيرة بحرمة التعامل مع الصليبيين سنة 639هـ، وخلعه لطاعة ملك دمشق الصالح إسماعيل بعد أن تحالف مع الصليبيين ضد ابن أخيه ملك مصر الصالح أيوب، ودخل مصر بعد دمشق فجلس لتعليم الناس وإفادتهم، مع استمراره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وله في هذا الباب المواقف الكثيرة المشهورة، والتي يضيق بها مقامنا هذا، ولعل شهرته وعلو مكانته بين العلماء، بسبب قيامه بالحق بكل جراءة وقوة، وكان الصالح أيوب قد عينه في مناصب كثيرة، فلما ثقلت وطأته في الإنكار على الأمراء والكبراء، عزله، فجلس في بيته متفرغًا للعلم وتدريسه وتصنيف الكتب، وله فتاوى شهيرة تدل على سعة علمه، ومدى فهمه بواقع الأمة وما يحيط بها من أخطار، حيث كان يعيش في فترة حرجة جدًا من حياة الأمة بها العدوان الصليبي والاكتساح التتاري.

وبالجملة كان الشيخ العز رحمه الله، صاحب علم وعمل وقول وفعل وفقه وفهم، حتى أنه قد بلغ رتبة الاجتهاد كما قيل عنه، ولكن يؤخذ عليه تعصبه الشديد على الحنابلة وتحامله عليهم في الشام ومصر وذلك بسبب العقائد، وقد بلغ من العزة والكرامة والجاه وحب الناس مالم يكن لأحد من زمن بعيد، ويكفي قول الظاهر بيبرس عندما سار في جنازته قال لمن حوله: «الآن تم لي ملكي بعد موت العز بن عبد السلام، لأنه لو كان قال للناس اخرجوا عليه لخرجوا كلهم ولسلبوني الملك».

راجع ما يلي: البداية والنهاية (13/264)، ذيل تذكرة الحفاظ ص330، طبقات الشافعية (8/209)، شذرات الذهب (3/301)، النجوم الزاهرة (7/208).