لا يرجع المماليك لأصل واحد يجمعهم، بل كانوا من أجناس شتى منهم الأتراك والقوقازيون والجراكسة والصقالبة، والشيء الوحيد الذي يجمعهم هو كونهم من الأرقاء, وكان يتم أسرهم في الحروب وينقلون في الأسواق حتى ينتهي المقام بأحدهم في دار أمير أو ملك أو أحد الأعيان، وهناك يتم تربيتهم تربية إسلامية وأخلاقية وجهادية خالصة على يد معلمين ومربين متخصصين، وبعدها ينتقل المملوك للخدمة ويتدرج في أطوارها رتبة بعد رتبة إلى أن يصير من الأمراء ولا يبلغ هذه الرتبة إلا بعد أن تكون أخلاقه قد تهذبت وامتزج تعظيم الإسلام في قلبه وصار من كبار الفرسان، لذلك كانوا سادة كبارًا يحكمون البلاد والمدن الكبيرة وقادة جيوش يحققون أعظم الانتصارات.
ينقسم عصر المماليك لمرحلتين:
المرحلة الأولى: عصر المماليك البحرية أو الصالحية من سنة 648هـ حتى سنة 792هـ، وتناوب فيها على الحكم 25 سلطانًا أولهم شجرة الدر وآخرهم الصالح حاجي برقوق، وخلال هذه المرحلة برز عدة سلاطين أقوياء أمثال سيف الدين قطز والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون وولده محمد، وحقق خلالها المماليك إنجازات عسكرية عظيمة، فانتصروا على التتار في عين جالوت 658هـ، وحمص 680هـ، وشقحب سنة 702هـ، وأنهوا الوجود الصليبي تمامًا بسواحل الشام وأعادوا الخلافة العباسية مرة أخرى بعد سقوطها في بغداد سنة 656هـ.
وتعتبر أسرة الظاهر بيبرس البندقداري وأسرة المنصور قلاوون أشهر الأسر الحاكمة في هذه المرحلة، وأكثر مما يميز هذه المرحلة أيضًا كثرة الخلع والقتل لسلاطين هذه المرحلة، فمن 25 سلطانًا لم يمت منهم بصورة طبيعية سوى خمسة، والباقي إما مقتول أو مخلوع، ومما يميز هذه الفترة أيضًا اتساع رقعة الدولة المملوكية لتشمل مصر وبلاد النوبة والشام والحجاز، مما جعل مكانة هذه الدولة ترتفع في العالم الإسلامي.
المرحلة الثانية: عصر المماليك الجراكسة أو البرجية من سنة 792هـ حتى سنة 923هـ، وتناوب فيها على الحكم 25 سلطانًا أيضًا، أولهم الظاهر برقوق وآخرهم طومان باي، وخلال هذه المرحلة برز عدة سلاطين أقوياء مثل الأشرف برسباي والظاهر جقمق والأشرف إنيال وقايتباي، وخلال هذه المرحلة لم يكن للمماليك إنجازات عسكرية مثل المرحلة السابقة باستثناء فتح جزيرة قبرص سنة 827هـ والتصدي لعدوان البرتغاليين على جنوب الجزيرة، وأكثر ما تميزت به هذه المرحلة التوسع العمراني الكبير حيث انتشر بناء القصور الفخمة والجوامع الضخمة والسدود والقناطر وإصلاح الطرق.
وكما حدث في المرحلة الأولى حدث في المرحلة الثانية انتشار الخلع والقتل للسلاطين، حيث لم يمت من الـ25 سلطانًا بصورة طبيعية سوى سبعة والباقي إما مقتول أو مخلوع، حتى أن بعضهم لم يمكث في السلطنة سوى يوم واحد، وبعضهم لما عرض عليه السلطنة وهو «قانصوه الغوري» رفض بشدة وبكى خوفًا من القتل ولم يتسلم الأمر إلا بشرط ألا يقتلوه، أما عن ترتيب أوراق سقوط الدولة المملوكية، فيبدأ مع ظهور الخلافات بين المماليك والعثمانيين في منطقة الحدود الفاصلة بينهما وبالتحديد عند إمارة ذي القادر وذلك منذ أيام السلطان محمد الفاتح والسلطان «قايتباي» وذلك سنة 876هـ ومن يومها أخذت العلاقات تتوتر بين الدولتين، وقام المماليك بإيواء الأمير «جم» الثائر على أخيه السلطان «بايزيد الثاني» وقام العثمانيون بدعم الأمراء الثائرين على المماليك بالشام وجنوب غرب الأناضول.
وفي هذه الفترة ظهرت الدولة الصفوية الشيعية التي دخلت في حلف البرتغاليين ألد أعداء الإسلام ودخل المماليك في حروب طاحنة ضد البرتغاليين في جنوب الخليج والهند، ودخل الصفويون في صراع شديد مع العثمانيين، حتى أن العثمانيين تركوا الجهاد في أوروبا واتجهوا نحوهم لإيقاف ضررهم على الأمة، وبدلاً من أن يتحالف المماليك مع العثمانيين وكلاهما من أهل السنة ويواجهون نفس العدو، وقف المماليك على الحياد في هذا الصراع، وأثر ذلك على نفسية السلطان سليم الأول، ثم وقعت حادثة أخرى أكدت على عداوة المماليك واشتراكهم ضد العثمانيين، ذلك أن أمير مقاطعة «ذو القادر» الموالي للماليك تصدى لطلائع الجيش العثماني المتجه نحو الصفويين، فعزم سليم الأول على محاربة المماليك بعد الصفويين، فكانت معركة مرج دابق بالشام ثم الريدانية بالقاهرة، وفي يوم 5 محرم سنة 923هـ دخل سليم الأول القاهرة معلنًا سقوط دولة المماليك بعد 264 سنة من الحكم وتنقضي معها الخلافة العباسية في القاهرة وتنتقل الخلافة إلى إستانبول.