كان حكم ملوك الطوائف في الأندلس نكبة على المسلمين هناك بكل المقاييس، فقد كان أمراء الطوائف منهمكين في اللذات والشهوات، غير مبالين بالشرع وأحكامه، مترفين مجرمين منحلين، وهذه الخصال الذميمة دفعتهم لمهادنة ملوك إسبانيا النصارى والصغار لهم ودفع الجزية لهم، وهذا الذل والخنوع شجع ملك إسبانيا ألفونسو السادس لأن يشن حربًا صليبية كبيرة في إسبانيا تحت مسمى حرب الاسترداد، واستطاع أن يستولي على طليطلة عاصمة القوط القديمة سنة 476هـ.
أفاق ملوك الطوائف السكارى من غفلتهم واستنجدوا بأمير الدولة المرابطية «يوسف بن تاشفين» الذي لبى النداء وعبر بجيوشه الجرارة، وكانت وقعة الزلاقة الشهيرة سنة 478هـ، ولما تمت المهمة عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب ولكن ما لبث أن أرسل إليه أمراء الطوائف يطلبون منه النجدة مرة أخرى سنة 481هـ للتصدي لعدوان «ألفونسو السادس»، ولبى يوسف النداء مرة أخرى وعبر لنصرة المسلمين ولكنه هذه المرة رأى من خذلان أمراء الطوائف وتنازعهم فيما بينهم واستهتارهم بالشرع ما يجعله يتأكد من أن هؤلاء الأمراء هم سبب نكبة الأندلس وتسلط النصارى عليهم.
لم يمض سوى عام واحد حتى قرر يوسف بن تاشفين العبور للأندلس مرة أخرى من أجل غاية عظيمة وهي إزالة دولة ملوك الطوائف وتخليص المسلمين من ظلمهم وفسادهم، خاصة بعدما جاءته الفتاوى من علماء المشرق مثل الغزالي والطرطوشي وعلماء المغرب والأندلس بوجوب إزالة هذا الحكم الظالم الجائر، وقد رفعت له مخابراته بالأندلس أن أمير غرناطة «عبد الله بن بلقين» وأمير إشبيلية «المعتمد بن عباد» قد اتصلا بملك الصليبيين ألفونسو السادس وعرضا عليه الدخول في طاعته ودفع الجزية له والتعاون معه ضد المرابطين المسلمين، وهي خيانة عظمى للإسلام والمسلمين بكل المقاييس.
عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس سنة 483هـ، وقد قرر البدء بفتح غرناطة في جنوب الأندلس، ذلك لأن أميرها عبد الله بن بلقين كان أول من أشهر الخلاف على المرابطين، واتصل بالصليبيين وقطع المؤن عن الوحدات المرابطية الموجودة بالأندلس منذ فتح الزلاقة، وقام بتحصين غرناطة تحصينًا شديدًا، وكتب لألفونسو يتذلل ويتضرع له من أجل معاونته ضد المسلمين، لكن لهذه الأسباب قرر يوسف البدء بغرناطة وقد أرسل فقهاء غرناطة ليوسف يطلبون منه فتح البلد وإزالة حكم الطاغية ابن بلقين، فنزل يوسف بجيوشه الكبيرة وضرب حصارًا شديدًا على المدينة حتى لا يأتيها مدد من النصارى، وطاول ابن بلقين في الأمر رجاء أن يأتيه مدد النصارى، ولكنه تمامًا مثل الإنسان الذي خدعه الشيطان وقال له اكفر، فلما كفر قال إني بريء منك، وضاقت عليه الدنيا، وفي النهاية سلّم المدينة للمرابطين في 10 رجب 483هـ، وهذا الفتح كان بداية سقوط حكم ملوك الطوائف بالأندلس، وما أسوأه من حكم.
راجع: التبيان ص150، دولة الإسلام في الأندلس (3/339ـ 342)، تاريخ ابن خلدون (6/187)، أعمال الأعلام ص235، روض القرطاس ص100.