بعد أن أطمأن النبي ﷺ على الأوضاع الداخلية والمحيطة بدولة الإسلام الوليدة، خاصة بعد القضاء على وكر الدس والتآمر اليهودي بخيبر أخذ الرسول ﷺ في دعوة ملوك الأرض للإسلام، فأرسل إليهم سفراء ورسلاً من عنده، وكان ممن أرسلهم «الحارث بن عمير الأرذي» بكتاب إلى عظيم بصرى، فاعترض طريقه شرحبيل بن عمرو الغساني وكان عاملاً على البلقاء من قبل قيصر الروم، فأوثقه ثم ضرب عنقه، وكان قتل الرسل بمثابة إعلان حرب، فجهز الرسول ﷺ جيشًا يقدر بثلاثة آلاف مقاتل تحت قيادة زيد بن حارثة للانتقام من مقتل الحارث بن عمير.
سار الجيش الإسلامي حتى وصل إلى منطقة معان بالأردن، وكان هرقل قد سمع بقدوم المسلمين فأعد جيشًا جرارًا يقدر بمائتي ألف مقاتل مائة ألف من الروم ومائة ألف من نصارى العرب، فالحرب إذًا دينية، لا مجال فيها للقومية أو العروبة، ولضخامة الجيش المعادي، توقف المسلمون للتشاور فيما بينهم هل يرجعون عن الصدام، أم يطلبون الإمداد من النبي ﷺ، وفي النهاية استقر الرأي على القتال.
وفي يوم 25 جمادى الأولى 8 هـ اصطدم الجيشان في معركة غير متكافئة نهائيًا من أي ناحية، فالمسلمون ثلاثة آلاف، والروم وأشياعهم مائتا ألف، ومع ذلك قاتل المسلمون قتال الوحوش الكاسرة التي تدافع عن عرينها، واستشهد قادة الجيش الثلاثة زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة تباعًا، وبقي المسلمون بلا قيادة حتى اصطلحوا على خالد بن الوليد سيف الله ورسوله، فاستطاع بخبرته العسكرية أن يحول دفة القتال ويعيد تحريك الجيش المسلم ويغير مواقع الجيش، فجعل المقدمة مؤخرة والميمنة ميسرة، فظن الروم أن المسلمين قد جاءتهم إمدادات جديدة، وكان خالد بن الوليد في هذه الأثناء يتحرك بجيشه تحركات عرضية وأمامية، حتى اختلت صفوف الروم وانتهت هذه المعركة ولم يخسر المسلمون سوى ثلاثة عشر شهيدًا منهم قادة الجيش الثلاثة.
والحقيقة التاريخية التي غابت عن أذهان المؤرخين في هذه المعركة، أن هذه المعركة قد انتهت بنصر عظيم للمسلمين على الروم وهذا ما ذهب إليه موسى بن عقبة صاحب المغازي والواقدي وابن كثير ودللوا على ذلك بعدة أمور ذكرها ابن كثير في معرض سياقه لأحداث الغزوة، بينما ذهب ابن إسحاق أن نصر المسلمين في المعركة كان ممثلاً في قدرة خالد بن الوليد على الانسحاب والمحاشاة بالجيش حتى تخلص من جيش الروم العرمرم.
راجع ما يلي: تاريخ الطبري، الكامل في التاريخ، البداية والنهاية، الروض الأنف، الرحيق المختوم.