
ما تزال عجائب رحمة الله تتراءى أمام أعيننا تترى، فكم من طفل رضيع يخرجونه حيًا من تحت الأنقاض بعد أكثر من 120 ساعة، وآخر يخرج من بطن أمه ثم يقبضها المولى عز وجل إليه، فيخرجه من ظلمات ثلاث ويميتها هي، وكأننا أول مرة نفهم قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: 95].
نحن لا ندري كيف أن هؤلاء الرضع ظلوا على قيد الحياة طوال هذه المدة دون رضاع أو غذاء، فليس هذا إلا فضل من الله عز وجل على عباده ورحمة بهم، ولا ندري كيف بعد مرور أكثر من أسبوع على الزلزال، ما زال هناك أحياء يخرجون من تحت الركام، فهذا والله من قدرة الله، وهي معجزات يريها لنا الله، حتى نتعظ ونعود إليه.
فكأننا أول مرة نعي كيف عاش أصحاب الكهف أكثر من ثلاثمائة عام في الكهف ثم بعثهم، وكأننا أول مرة نفهم كيف أن خبيب بن عدي رضي الله عنه الصحابي الذي أسرته قرش، وعندما كان أسيرًا بمكة وهو مربوط في القيد وبالحبس، يأكل العنب ولا يدرون من يأتيه به، وليس في مكة وقتها حبة عنب واحدة ولا أي ثمرة من الفاكهة، وكأننا أول مرة نفهم كيف أن مريم عليها السلام كلما دخل عليها زكريا عليه السلام مكان عبادتها في محرابها، يجد عندها ما لذ من الطعام، فتقول هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
ثم نرى طفلة لم تبلغ بضع سنوات من عمرها بعد، وقد أخرجوها وهي تقول: صار لي يوم ما صليت! يا الله، لو أننا قرأنا هذا في كتب السير لرجل بلغ الستين من عمره وقد قضاه كله في طاعة الله، لما استغربناه ولاعتبرناه من أولياء الصالحين، فكيف بطفلة في الزمن الذي كثرت فيه الملهيات، وهي في هذه الأهوال العظيمة لا تفكر إلا في صلاتها، فلعلها أقوى رسالة لنا لنراجع حالنا مع الله ومع الصلاة.
وذاك شيخ كبير لا يدري أيخرج حيًا أم ميتًا، ينادي من تحت الركام بطهور الصلاة.
وطفل لم يبلغ العشر مات أهله؛ فيعلم الناس معنى الرضا بالقضاء.
وأخرى تأبى مفارقة رائحة الموت إلا بحجابها في مشهد لا يعرف الشهوات وإطلاق البصر.
لا نعلم ما الذي يجري هناك؛ هل يرسل الله لصغيرهم ملكًا يطعمه ويسقيه ويؤنس وحدته! أم يأمر قوانين الطب والطبيعية أن تتعطل!
فالله لا تحده الظواهر ولا تعجزه القوانين.
كل ذلك لا نعلمه ولا نعلم كيف يكون، لكننا نعلم علم اليقين أن الله لطيف بعباده، نعقل معنى أن الله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، فرأينا كيف أمًا تضع مولودتها وتموت ثم تحيا الطفلة، ثم مع كل هذه المشاهد نعقل معنى الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بالقدر خيره وشره، واليقين بأن لله في كل خلقه شؤون وحكم لا ندريها ويدري عقلنا كنهها.
إننا اليوم نرى شيئًا من آثار رحمة الله وعجائب صنعه لمن يعقل.