
في مثل هذا اليوم 12 رمضان 1382 هـ الموافق 6 فبراير 1963م كانت وفاة هذا الأسد المغربي، وبطل الريف، كابوس الإسبان ورعب الفرنسيين، الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي وُلد سنة 1299هـ ـ 1882م، في بلدة «أغدير» قرب «الحسيمة» من بلاد الريف المغربي «شمال المغرب»، وينتمي إلى قبيلة «ورياغل»، حفظ القرآن صغيرًا، وكان أبوه شيخ قبيلته فأرسله لجامع القرويين بمدينة فاس لتلقي العلوم الشرعية، فلما تخرج عمل قاضيًا شرعيًا في مدينة مليلة، وكانت بلاد المغرب وقتها واقعة تحت الاحتلال الفرنسي الإسباني المشترك، فإسبانيا تحتل بلاد الريف وطنجة، وفرنسا تحتل مراكش وباقي المغرب.
كان والد الأمير الخطابي معارضًا للاستعمار الإسباني ورفض التبعية للمندوب الإسباني «جوردانا»، فقام الإسبان بعزل ابنه الأمير من منصبه وأودعوه السجن، غير أنه تمكن من الفرار من السجن وعاد إلى مسقط رأسه، فوجد أباه قد مات، فخلفه في رياسة القبيلة سنة 1339هـ ـ 1920م، فأعلن مقاومة الإسبان، وحقق نجاحًا كبيرًا في جمع القبائل حوله، فأرسل إليه الإسبان بقوة كبيرة يقودها حاكم «مليلة» الجنرال «سلفستر» لمداهمة بلدة «أغدير» مسقط رأس الأمير، فانتصر المغاربة على الإسبان في معركة من معارك الإسلام الخالدة عند مدينة «أنوال» وأبيد جيش سلفستر عن بكرة أبيه ويقدر بأربعة وعشرين ألف مقاتل، وغنم الأمير أسلحة بكميات ضخمة في المعركة التي وقعت في 25 شوال سنة 1339هـ ـ 1 يوليو 1921، وسيطر بذلك الأمير على معظم مناطق الريف.
حشد الإسبان مائة وخمسين ألف مقاتل لاستعادة بلاد الريف من الخطابي، وقاوم المغاربة بضراوة وكبدوا الإسبان خسائر ضخمة، وأعلن الخطابي قيام جمهورية إسلامية عصرية في بلاد الريف واتخذ من «أغدير» عاصمة له، وفي هذه الفترة وقع انقلاب عسكري بإسبانيا سنة 1342هـ ـ 1923م، وقررت الحكومة الجديدة الانسحاب من المناطق الداخلية في المغرب والتمركز في مواقع حصينة على السواحل، فازدادت قوة جمهورية الخطابي الريفية.
انزعجت فرنسا بشدة من الانسحاب الإسباني، وأخذوا في بث الدعاية المضادة للخطابي والريفيين وتأليب الدول الأوروبية الصليبية، ونشر الشائعات ضد الخطابي بأنه يريد عرش مراكش، ثم حشدت فرنسا بالتعاون مع إسبانيا حملة عسكرية ضخمة تقدر بـ 278 ألف مقاتل، في حين كان جيش الخطابي 65 ألف مقاتل فقط، ومع ذلك حقق الخطابي انتصارًا باهرًا على الفرنسيين عند قطاع «تازة» سنة 1344هـ ـ 1925م، وجاء من فرنسا الجنرال «بيتان» أعتى القادة الفرنسيين لإدارة سير القتال، وتم الدفع بعدد 132 طائرة في القتال، وتحت وطأة القتال أخذت القبائل تنسحب من جيش الخطابي بعد تهديد ووعيد من الفرنسيين، واضطر الأمير الخطابي في النهاية للاستسلام بعد أن قاوم حتى آخر لحظة في 12من ذي القعدة 1344هـ ـ 25 مايو 1926م، وقام الفرنسيون بنفيه إلى جزيرة «رينيون» في شرق إفريقيا.
قضى الخطابي في منفاه 21 سنة متصلة، ثم قامت فرنسا بعد الحرب الثانية بنقله إلى باريس، وأثناء مرور السفينة التي تقله إلى هناك بقناة السويس، تمكن الخطابي من الفرار واللجوء إلى مصر وذلك سنة 1367هـ ـ 1947م، وبذل الأمين العام لجامعة الدول العربية «عبد الرحمن عزام» جهدًا كبيرًا من أجل إقناع الحكومة المصرية بمنحه حق اللجوء السياسي، تفرغ بعدها الخطابي لقيادة العمل السياسي لتحرير المغرب من الخارج وظل شعلة نشاط متقدة تعمل على نصرة بلاده، حتى مات بأزمة قلبية في 12 رمضان 1382هـ ـ 6 فبراير 1963م، بعد أن أقام دولة إسلامية عصرية قوية في خمس سنوات فقط.
راجع: أعلام الحركة الإسلامية ص304، التاريخ الإسلامي (14/356ـ 364).