
لا شك أن مشاهد الزلزال الأخير هذا كانت مؤلمة لنا جميعًا، فرؤية بيوت تتهدم فوق رؤوس أصحابها تملأ القلب حزنًا، ويجعل المؤمن يلهج بلسانه دائمًا أن يرفع عنهم كل سوء وأن يشف جرحاهم ويرحم موتاهم ويتقبلهم في الشهداء، فقد عد النبي ﷺ صاحب الهدم من الشهداء.
وكما تعلمون أحبابنا أن المؤمن مطالب بالإيمان بالقدر؛ خيره وشره؛ وأن الله خالق كل شيء؛ خلق الخير والشر؛ باعتبار ما يراه الناس شرًا، لا باعتبار حقيقة كونه شرًا.
أي أن ما نراه نحن شرًا قد لا يكون في حقيقته شرًا.
ولقد اختص المولى عز وجل أهل الإيمان بصنوف من البلاء التي حوت شرًا ظاهرًا، فارتفعت بهم درجاتهم وأنزلهم الله بها المنازل العلية.
فالحادثة الواحدة قد تحوي خيرًا وشرًا، فيكون مآلها خيرًا على المؤمنين مهما بدت أليمة محزنة، وشرًا على الكافرين والمعاندين مهما بدت غير ذلك بمقاييس الدنيا.
لذلك مهما بلغ البلاء شدةً والأحداث عسرةً؛ فاعلم يقينًا أن مآلها في حق المؤمنين إلى خير.
ثم تأمل كم من مكلوم اليوم رُفعت درجته، وبلغ منازل ما كان يبلغها بعمله، بل وكم من مفقود اليوم يتنعم الآن في فراش الجنة وقد أنزله الله منزلة الشهداء.
ثم انظر حولك كم من ثمرات أدركناها في هذه المشاهد الحزينة، نرى فيها قوله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان»، فها نحن نرى الكثيرين يشاركون إخوانهم أحزانهم، وتمس قلوبهم حقيقة أخوة الدين.
وقبل كل هذا تأمل قول النبي ﷺ: «الشهداء خمسة ... وصاحب الهدم»؛ فتتنسم شيئًا من رحمة الله بالمكلومين، وكيف أن الله جبر قلوبهم بالجنة ونعيمها بعد هذه الموتة!
فتأمل كيف أخرج المولى عز وجل هؤلاء المساكين من بؤس الدنيا وقسوتها إلى نعيم الآخرة إن شاء الله.
فمن علم وفقه وأدرك كل هذه الرحمات المتتالية من الله عز وجل من قلب كل هذه المآسي، رضي بالله وفرح به، واطمئن بقضائه وأحسن الظن بربه.
فكأنك تقول بلسان حالك ومن قلب مشاهد الزلزال: فانظر إلى آثار رحمة الله!
نحن مع كل هذا نحزن لما أصاب إخواننا في هذا الحدث الجلل، وهذا من أدل علامات الأخوة في الله؛
أن يألم المسلم لألم أخيه، كما يفرح لفرحه، شرط ألا يتجاوز هذا الحزن إلى السخط والجزع من قضاء الله وقدره، بل إن المؤمن في حزنه المنضبط هذا هو مأجور بإذن الله تعالى، لحزنه على حال إخوانه.
نسأل الله تعالى أن يرحمهم رحمة واسعة من عنده وأن يربط على قلبوهم ويشفي جرحاهم ويعافيهم ويتقبل موتاهم في الشهداء، اللهم آمين.