
إنها الليلة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وهي من أشرف الليالي بعد ليلة القدر، كما أن الأحاديث الصحيحة جاءت بالأمر بتحري ليلة القدر فيها، حيث خصها النبي ﷺ بالذكر حين التماس ليلة القدر، فعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ». صحيح الجامع (1238).
وعن أبي بكرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لِتِسْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ لِسَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ لِخَمْسٍ، أَوْ لِثَلَاثٍ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ» مسند أحمد (20376) بسند صحيح. فلاشك أن تخصيص الليلة الأخيرة بالتماس ليلة القدر فيها هو لعظيم شأنها وفضلها، حتى إن بعض العلماء بوب بابًا خاصًا لليلة الأخيرة من رمضان، كما فعل ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه، فقال: باب الأمر بطلب ليلة القدر في الليلة الأخيرة من رمضان، ثم ذكر الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بتحري ليلة القدر في الليلة الأخيرة.
ثم هناك أمر آخر مرتبط بالليلة الأخيرة من رمضان، متوقف عليه فوزك بأعظم جائز في رمضان بعد ليلة القدر، وهو أن يكتب اسمك فيمن (قام رمضان) فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». رواه البخاري (2009)، ومسلم (759).
فإطلاق شهر رمضان يتناول جميع لياليه، فالظاهر أن الأجر المذكور متعلق بقيام جميع لياليه.
قال الصنعاني رحمه الله تعالى: "يحتمل أنه يريد قيام جميع لياليه، وأن من قام بعضها لا يحصل له ما ذكره من المغفرة، وهو الظاهر" انتهى من "سبل السلام" (4 / 182).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "قال: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) يعني: شهر رمضان، وهو يشمل كل الشهر، من أوله إلى آخره" انتهى من "شرح بلوغ المرام" (3 / 290).
ومن تخلف عن قيام بعض لياليه؛ فإن كان ذلك لعذر منعه من القيام، فإنه يرجى له هذا الفضل المذكور في الحديث.
فقد قال ﷺ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا». رواه البخاري (2996).
وأما إن ترك قيام بعض ليالي رمضان تكاسلاً، فظاهر الحديث أنه لا يدرك الفضل المذكور.
فلنحرص على هذه الليلة المباركة ولا نضيعها، وإن لم تكن ليلة القدر، ولنحسن ختام الشهر، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» صحيح ابن حبان (340).
كما أن هذه الليلة فيها عتقاء لله من النار، كما في كل ليالي رمضان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ». صحيح الجامع (759).
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ». صحيح ابن ماجه (1643).
فلعل عتقنا من النار يكون في هذه الليلة، ولعل ليلة العمر وليلة سعادتنا وليلة القدر تكون هذه الليلة.
وقد تكون الليلة الأخيرة التي نحن فيها، وقد تكون التي تليها؛ لذا فلا يفوتنا العمل الصالح ليلتنا هذه والتي تليها، إن قدر الله لنا أن يكتمل رمضان ثلاثين يومًا بإذن الله.
اللهم بلغنا ثواب رمضان، وبلغنا ثواب ليلة القدر......
جميل أن تحدثنا عن طاعتك التي تحب أن تختم بها شهر رمضان..