
أهل علينا هلال شهر رجب، وهو أول الأشهر الحرم التي دعانا المولى عز وجل فيها أن نكُفَّ عن ظلم أنفسنا، ونصون قلوبنا وألسنتنا وأيدينا عن أذى بعضنا، إذ المؤمنون كنفسٍ واحدة، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]
ومن أكثر المظالم التي يقع فيها كثير منا، إطلاق الألسن في الأعراض والنوايا، بعد البحث عن الأسرار والسرائر والطوايا، وهي من أشد أنواع ظلم الإنسان لنفسه، فأذى المسلمين باب شر مفتوح، ونذير شؤم لأهله في الدنيا والآخرة: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
وقال ﷺ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» فَقال رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» مسند أحمد (36/ 345) بسند صحيح.
وحتى لانظلم أنفسنا في الأشهر الحرم؛ لابد من الكف عن المظالم والمحارم كلها، في النفس والعرض والمال: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30].
شهر (رجب) فرصة ذهبية كبيرة، في مهلة زمنية قصيرة، يمكن استغلالها في نزع الحقد والغل من الصدور، وزرع الحب والسكينة في القلوب، وفوق ذلك تكثير الأجور والحسنات، والتعرض لرحمات ونفحات رب الأرض والسموات، ومع كل هذا فهي فريضة شرعية تتأكد في الأشهر الحرم، فعلينا أن نعتصم بحبل الله جميعًا، وأن نتقي الله وأن نكف عن هذا الأذى، وأن نتفرغ للبحث في سبل إصلاح أنفسنا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
فلو تراحمنا فيما بيننا، نزلت علينا رحمات المولى عز وجل، ولطف بنا!
شارك الفائدة مع أحبابك، وانشر بينهم الحب والوئام، واكتب لنا بالتعليقات أكثر ما ينشر المحبة بين الناس، ويبعد عنهم سبل التنازع.