
كان أكثر العرب قبل الإسلام أصحاب قسوة وجفاء، وكان القوي يأخذ حق الضعيف، ويتعالى الغني على الفقير، وفي هذا الجو العام الذي تحكمه قاعدة البقاء للأقوى، كان يعيش بينهم النبي ﷺ قبل مبعثه بأخلاق كانت نادرة الوجود بينهم، وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم معهم حلف الفضول، والذي تواصوا فيه على نصرة المظلوم، وذلك لما انتشر بينهم من ضياع للحقوق، وقال عنه صلى الله عليه وسلم: (لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت).
وكانت قريش تطلق على النبي صلى الله عليه وسلم «الصادق الأمين»، لما رأوا من جميل خصاله وكريم فعاله وصدقه وامانته ووفائه، ومداومته ﷺ على صدقه وأمانته معهم، فصاروا يودعون أموالهم وأماناتهم عنده، وصاروا يصدقونه فيما يقول، ويحكمونه فيما بينهم، حتى ارتضوه حكماً بينهم في قصة وضع الحجر الأسود بعد إعادة بناء الكعبة، قبل مبعثه ﷺ.
وحينما بُعث النبي ﷺ، ونزل عليه قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]، صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عدي» - لبطون قريش - حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب} [المسد: 2]. صحيح البخاري (6/ 111).
فرغم علمهم بصدقه وأمانته وإقرارهم لهذا قبل لحظة فقط من إخبارهم بهذا الأمر الجلل، إلا أنهم نكروا الحق ورفضوه، ومع هذا فإن النبي ﷺ ظل وفياً لما عاهدهم عليه من قبل في أماناتهم الشخصية، فإذا به يأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يرد الأمانات إلى أهلها بعد هجرته ﷺ إلى المدينة.
فأي وفاء أعظم من هذا الوفاء؟!
والنبي ﷺ لم ينس أياً ممن ساعده في بعثته، مسلماً كان أو كافراً، وكان يحفظ لكلٍ عهده.
وأما عن وفائه لزوجاته فلا يكفي المداد لبيان روعة وجمال وبراعة هذا الوفاء، خاصة لخديجة رضي الله عنها في حياتها وبعد مماتها، ومواقف وفائه مع أمنا خديجة رضي الله جميلة، ننتظر منكم أحبابنا أن تتحفونا بها في التعليقات.
شاركونا أحبابنا الكرام مواقف لوفاء النبي ﷺ، ومواقف لوفاء الصحابة رضوان عليهم، وكذلك مواقف من تاريخنا الإسلامي ومن حياتنا العملية لأناس تعرفون قصصهم، أو مواقف عاينتموها بأنفسكم، وشاركوا الفائدة مع أحبابكم، كي يمتعونا بجميل قصصهم عن الوفاء....