
ونحن على أعتاب شهر رمضان، نريد أن نهيأ قلوبنا لاستقبال والشعور بأثرها علينا، حيث أن للطاعة أثر على النفس والقلب، وهذا من دلالة قبول الطاعة وإخلاص العمل، قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
فالصلاة التي يكون القلب فيها حاضرًا، والإنسان مستشعر معنى أنه يقف بين يدي الله، ويفهم معنى كل كلمة يقولها بالصلاة، لا شك أن هذه الصلاة سيكون لها أعظم أثر على قلبه وجوارحه، فتصبح حينها هذه الصلاة منهية له عن الفحشاء والمنكر، وكذلك معينة له على طاعات أكثر.
وأعظم ما يعين على الانتفاع بالطاعات، سلامة القلب، والذي هو غاية كل مسلم؛ لأن القلب السليم هو الفائز في الدنيا والآخرة، كما أن سلامة القلب سلامة للجسد، فهو قائد الجسد وأميره.
قال تعالى: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87 - 89]، فالقلب الناجي يوم القيامة هو القلب السليم.
وقال ﷺ: «إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». صحيح البخاري (52)، صحيح مسلم (1599).
ومدح المولى عز وجل أصحاب نبيه في كتابه قائلًا: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
فجعل سلامة القلب من أعظم صفاتهم التي مدحهم عليها.
فما هي الأسباب المعينة على سلامة القلب؟
الأسباب المعينة على سلامة القلب هي:
أولاً: إخلاص القلب لله وحده: قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
وهي أن يعمل الإنسان العمل في دينه ودنياه لا يريد به إلى وجه الله، لا رياء ولا سمعة.
ثانياً: الرضا بكل ما قضى الله وقدر:
فالرضا يفتح للقلب كل أبواب الخير، ويُبعد عنه كل أبواب الشر، فيصبح قلبه نقيًا من السخط والحسد والغل والكره، وكلها تأتي من عدم الرضا، فبالرضا يسلم القلب من كل آفاته.
ثالثاً: تلاوة القرآن: وهي أعظم دواء لأمراض القلب، بشرط أن تقرأ بيقين أن القرآن فيه شفاء لقلبك وجسدك. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57].
قال ابن القيم رحمه الله: القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ويوفق للاستشفاء به وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا. (زاد المعاد ج4 ص352).
رابعاً: الدعاء بسلامة القلب: وقد جعله المولى عز وجل من صفات عباد الرحمن. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
وكان من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ». صحيح مسلم (2654).
فاللهم ارزقنا قلبًا سليمًا ننجو به يوم القيامة...
شارك الفائدة مع أحبابك، وكن سببًا في صلاح وتهيئة قلوبهم للطاعة قبل رمضان...