
إن تعظيم شعائر الله يحتاج منا إلى برهان ودليل؛ يُثبت لنا ما وَقَرَ في القلوب من الإيمان{ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب } [الحج :32]. ومن شعائر الله الواجب تعظيمها؛ الأشهر الحُرُم، ومنها شهر الله المحرم، وقد دعانا المولى عز وجل في هذه الأشهر أن نكُفَّ عن ظلم أنفسنا، ونصون قلوبنا وألسنتنا وأيدينا عن الخوض في أذى بعضنا، إذ المؤمنون كنفسٍ واحدة {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]
ومن أكثر المظالم التي يقع فيها كثير منا، إطلاق الألسن في الأعراض والنوايا، بعد البحث عن الأسرار والسرائر والطوايا، وهي من أشد أنواع ظلم الإنسان لنفسه، فأذى المسلمين باب شر مفتوح، ونذير شؤم لأهله في الدنيا والآخرة {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]. وإطلاق اللسان في أعراض الناس من أكبر الطرق الموصلة إلى النار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» مسند أحمد (36/ 345) بسند صحيح.
وحتى لانظلم أنفسنا في الأشهر الحرم؛ لابد من الكف عن المظالم والمحارم كلها، في النفس والعرض والمال {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30].
وشهر (المحرم) فرصة ذهبية كبيرة، في مهلة زمنية قصيرة، يمكن استغلالها في نزع الحقد والغل من الصدور، وزرع الحب والسكينة في القلوب، وفوق ذلك تكثير الأجور والحسنات، والتعرض لرحمات ونفحات رب الأرض والسموات، ومع كل هذا فهي فريضة شرعية تتأكد في الأشهر الحرم، فعلينا أن نعتصم بحبل الله جميعًا، وأن نتقي الله في بعضنا بعضًا، فيكُف بعضنا عن بعض، ويتفرغ بعضنا للبحث في سبل الإصلاح بين بعضنا البعض {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
فلو تراحمنا فيما بيننا، نزلت علينا رحمات المولى عز وجل، ولطف بنا!
فلنغتنم هذه الفرصة العظيمة في هذا الشهر المبارك، ولنسارع بزرع الخير والحب بيننا، فشهر الله المحرم غنيمة باردة، ينبغي على المؤمن الفطن أن يغتنمها...
اكتب لنا في التعليقات مقترحاتك الأخرى لاغتنام شهر الله المحرم، وكيفية الاستفادة منه في تأليف القلوب وزيادة الطاعات...
ولا تنسى مشاركة الفائدة مع أحبابك ليعم الخير والحب، وتشاركهم في الثواب والأجر....