
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه دائماً على قراءة القرآن والمواظبة على ذلك، وكان يستخدم في ذلك الطرق الصريحة والضمنية.
ومن جميل قوله صلى الله عليه وسلم في الحث في قراءة القرآن بالليل، حينما جلس مع أصحابه يوماً، وورد ذكر الصحابي الجليل «شريح الحضرمي» فأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة عجيبة فيها رسالة قوية للاهتمام بالقرآن، فعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ شُرَيْحًا الْحَضْرَمِيَّ، ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ لَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ» مسند أحمد (15724).
ولعلنا حين نقرأ الحديث أول مرة لا نفهم مقصود النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتوسد الرجل القرآن، أي يجعله وسادة.
فما معنى «لا يتوسد القرآن»؟ وهل هناك أحد أصلاً يجعل القرآن وسادة لا سمح الله؟
وإذا بالمعنى أنه لا ينام بالليل ويترك حزبه من القرآن، ومن ينام عن القرآن كأنه اتخذ القرآن وسادة!
والنص له وجهان، إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يمدح من لا يتوسد
القرآن، أو يذم من يتوسد القرآن.
وعلى الوجهين فالحاصل هو تنبيه الرسول بطريقة بلاغية مثيرة على مكانة تلاوة القرآن بالليل.
فإذا كان النوم عن القرآن شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم باتخاذه "وسـادة "،
فيبدو أن وسائدنا قد اشتكت من كثرة النوم عليها!
اللهم اجعلنا ممن له نصيب من كتابك في ليله ونهاره، ولا تجعلنا ممن يتوسدون القرآن...
ويكفيك أن الله وصف أقوام ومدحهم بقوله: {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران: 113].
وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].