
ولد بالمدينة النبوية لسنتين بقيتا من خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (21 هـ)، وكانت ولادته في بيت أم المؤمنين أم سلمة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها وأرضاها، حيث كانت أمه (خيرة) خادمة لأم سلمة - رضي الله عنهم أجمعين -. وقد زاده بركة وشرفًا ونبلًا أنه رضع من أم سلمة - رضي الله عنها -، وتربى في بيت النبوة، وكانت أم سلمة تُخرجه إلى الصحابة فيدعون له، فدعا له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: "اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس"، فحفظ القرآن في العاشرة من عمره.
أخذ العلم عن خلق كثير من الصحابة والتابعين، وأدرك كبار الصحابة وروى عنهم، أمثال الخليفة الراشد عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعمران بن حصين، والمغيرة بن شعبة وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بكرة وسمرة بن جندب ومعقل بن يسار وأنس بن مالك - رضوان الله عليهم أجمعين -، حتى صار علمًا في الحديث والفقه والتفسير واللغة.
وقد رحل إلى كابل، ثم خراسان حيث كان كاتبًا للربيع بن زياد في عهد معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -، ثم سكن بعد ذلك البصرة ونُسب إليها. كان إمامًا عالمًا زاهدًا عابدًا ورعًا شجاعًا يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم. زهد فيما عند الملوك فرغبوا في ما عنده، واستغنى عن الناس وما في أيديهم فاحتاجوا إليه، قال يونس بن عبيد: "أخذ عطاءه فجعل يقسمه، فذكر أهله حاجة فقال لهم: دونكم بقية العطاء، أما إنه لا خير فيه إلا أن يصنع به هذا".
وعن مطر قال: "دخلنا عليه نعوده فما كان في البيت شيء لا فراش ولا بساط ولا وسادة ولا حصير إلا سرير مرمول هو عليه". قال يزيد بن حوشب: "ما رأيت أخوف منه ومن عمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما"، وعن حفص بن عمر قال: "بكى صاحبنا فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني الله غدًا في النار ولا يبالي".
كان عالمًا صوامًا قوامًا يصوم الأشهر الحرم والاثنين والخميس، يقول ابن سعد عن علمه: "كان جامعًا عالمًا عاليًا رفيعًا ثقة مأمونًا عابدًا ناسكًا كبير العلم فصيحًا جميلاً وسيمًا".
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: "من سره أن ينظر إلى أفقه من رأينا فلينظر إلى فلان"، وقال قتادة: "كان من أعلم الناس بالحلال والحرام". توفي رحمه الله بالبصرة في رجب سنة عشر ومائة من الهجرة، وعمره تسع وثمانون سنة، وكانت جنازته مشهودة، حيث صلوا عليه عقيب الجمعة بجامع البصرة فشيعه الخلق وازدحموا عليه، حتى إن صلاة العصر لم تقم في الجامع، رحمه الله رحمة واسعة.
فهل علمتم من هو؟!
المصادر: سير أعلام النبلاء (4/ 563). طبقات ابن سعد (7 / 156).