
لاشك أن الشيطان يتعرض لنا كثيراً في الصلاة، فربما ننسى كم صلينا، وربما أخطأنا في القراءة، فهل يصح أن نتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في هذه الحالة؟
لا نعلم دليلاً خاصاً يدل على أن من نسي شيئاً من القرآن الكريم أنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما نسي الآية في الصلاة ، ولم يكن يفعل ذلك ، ولا نعلم ذلك عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا السلف الصالح؛ فليس ذلك من السنة المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في ذلك الأمر بخصوصه .
ولكن إذا عرض الشيطان للمصلي في صلاته، ولبسها عليه، أو لبس القراءة عليه، فإنه يشرع له أن يستعيذ بالله منه، كما روى مسلم (2203) : " أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا . قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي " .
قال النووي رحمه الله : "فِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب التَّعَوُّذ مِنْ الشَّيْطَان عَنْ وَسْوَسَته، مَعَ التَّفْل عَنْ الْيَسَار ثَلَاثًا , وَمَعْنَى ( يَلْبِسهَا ) أَيْ يَخْلِطهَا وَيُشَكِّكنِي فِيهَا , وَمَعْنَى ( حَال بَيْنِي وَبَيْنهَا ) أَيْ نَكَّدَنِي فِيهَا , وَمَنَعَنِي لَذَّتهَا , وَالْفَرَاغ لِلْخُشُوعِ فِيهَا" انتهى .
وقال القاري رحمه الله : " ( يَلْبِسهَا ) أَيْ: يَخْلِطُ، وَيُشَكِّكُنِي فِيهَا، أَيْ: فِي الصَّلَاةِ، أَوِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ كُلِّ وَاحِدَةٍ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (1/146) .
وروى مسلم (542)، والنسائي (1215) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ ثَلَاثًا ، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ . قَالَ : إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي ، فَقُلْتُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " .
فهذا الحديث يدل على مشروعية الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة ، إذا عرض الشيطان للمصلي .
"فَإِذَا كَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِتُؤْذِيَهُمْ وَتُفْسِدَ عِبَادَتَهُمْ، فَيَدْفَعُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يُؤَيِّدُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ وَمِنْ الْجِهَادِ بِالْيَدِ؛ فَكَيْفَ مَنْ هُوَ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ؟" انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/171) .
وأما الاستعاذة لمجرد الخطأ المعتاد، أو النسيان، فلا تجب، لعدم وجود دليل عليها، ولما فيه من قطع القراءة بالتعوذ.
والله أعلم.