
الصلاة هي اللقاء الذي ينتظره المسلم كل يوم ليناجي فيه مولاه، وكان النبي ﷺ يقول: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» سنن أبي داود (4985) بسند صحيح، فهي قرة عين المؤمن، فيها يدعو الإنسان ربه، ومن أعظم مواطن الدعاء فيها، الدعاء قبل السلام وبعد التشهد، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ». صحيح مسلم (588). وفي رواية النسائي: «ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ» سنن النسائي (1310) بسند صحيح.
وقد ينوي المصلي السلام من صلاته بعد التشهد، ثم قبل أن يسلم يتذكر أنه يريد أن يدعو، امتثالًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فهل تصح صلاته؟
إن التسليم من الصلاة ركن من أركانها، لا يحصل التحلل منها إلا به. وينوي المصلِّي بالسلام: الخروج من الصلاة، والسلام على الإمام، والسلام على من عن يمينه، ويساره، وعلى الحفظة.
وإذا نوى المصلي التسليم من الصلاة، ثم تذكر دعاء فدعا به أو بغيره، ثم سلم: صحت صلاته؛ لأن هذه النية ليست قطعًا للصلاة، فما دام المصلي لم يسلم ولم ينو الخروج من الصلاة فإنه لا يزال مستمرًا في صلاته.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله:
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ تَصِحُّ الْعِبَادَةُ بِنِيَّةٍ تَقَعُ فِي أَثْنَائِهَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ وَلَهُ صُوَرٌ: منها:
إذَا نَوَى الِاقْتِصَارَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ ثُمَّ نَوَى التَّطْوِيلَ الْمَشْرُوعَ أَوْ السُّنَنَ الْمَشْرُوعَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ ....... وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى التَّسْلِيمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ التَّشَهُّدِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ فِي الْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ. " انتهى باختصار من "قواعد الأحكام" (1/ 216).
وعليه فإن نية السلام بعد نهاية التشهد ثم العدول عنه لأجل الزيادة في الأذكارأو الدعاء، لا تبطل بها الصلاة، بل الصلاة صحيحة، فهي ليست مثل نية قطع النية أثناء الصلاة، كأن ينوي المصلي أثناء صلاته أن يخرج من صلاته وأن يقطعها لأمر ما، فهذا بطلت صلاته.
قال في "المغني" (1/278): "وإن تلبس بها –أي بالصلاة- بنية صحيحة, ثم نوى قطعها, والخروج منها, بطلت. وبهذا قال الشافعي " انتهى.
وقال في "زاد المستقنع" في باب الصلاة: "فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد بطلت".
وقال في باب الصوم: "ومن نوى الإفطار أفطر".
لكن رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه أن التردد لا يبطل الصلاة. ومَثَّل للتردد بما لو سمع قارعًا يقرع الباب، فتردد أأقطع الصلاة أو أستمر؟"الشرح الممتع" (1/486).
وبهذا يتبين أن من عزم على قطع العبادة بطلت، لكن لو كان ذلك مجرد هاجس فلا تبطل به العبادة.
وهذا هو الفرق بين نية قطع الصلاة والخروج منها، ونية السلام بعد التشهد الأخير، فالأول نية للخروج من الصلاة، والثاني نية للبدء في الركن الأخير من أركان الصلاة.