
عند حضور الصلاة، فإما أن يصلي المسلم في مكان يعلم فيه اتجاه القبلة، كالمسجد أو منزله، أو أي مكان يعلم فيه اتجاه القبلة، وإما في مكان لا يعلم فيه اتجاه القبلة، ككونه على سفر وأراد الصلاة بالطريق، أو في بلد أو مكان لا يعلم فيه اتجاه القبلة، فإنه يجتهد في تحديد القبلة ويصلي، لكن ماذا إذا تبيّن له أثناء صلاته أن اتجاهه خطأ?
يرى جمهور الفقهاء من الأحناف والشافعية والحنابلة وابن عبد البر من المالكية، أن من بان له الأمر في أثناء الصلاة، وأن القبلة غير صحيحة، استدار إلى القبلة حسب ما ظهر له بعد ذلك، وكان ما صلاه لغير القبلة صحيحًا، طالما أنه قد اجتهد في تحديد القبلة أولاً، و يلزمه إعادة أولها.
فعنِ البَراءِ بن عازبٍ: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان أوَّلَ ما قَدِمَ المدينةَ نزَلَ على أجدادِه - أو قال: أخوالِه - من الأنصارِ، وأنَّه صلَّى قِبلَ بيتِ المقدسِ سِتَّةَ عَشرَ شهرًا، أو سَبعةَ عَشرَ شهرًا، وكان يُعجِبُه أن تكونَ قِبلتُه قِبلَ البيتِ، وأنَّه صلَّى أوَّلَ صلاةٍ صلَّاها صلاةَ العصرِ، وصلَّى معه قومٌ، فخرَج رجلٌ ممَّن صلَّى معه، فمرَّ على أهلِ مَسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهدُ باللهِ لقدْ صَليتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِبلَ مَكَّةَ، فدَاروا كما هم قِبلَ البيتِ)). رواه البخاري (40)، ومسلم (525).
قال ابنُ عبد البَرِّ: (في حديث هذا الباب دليلٌ على أنَّ مَن صلَّى إلى القبلة عند نفْسه باجتهاده، ثم بان له وهو في الصلاة أنَّه استدبر القِبلة، أو شرَّق أو غرَّب، أنه ينحرف ويَبني).
ومن تبيّن له الأمر بعد انتهاء صلاته، فلا إعادة عليه، طالما اجتهد في تحديد القبلة، وصلاته صحيحة، لأن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ويقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
المصادر:
((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 92).
((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/121).
((المجموع)) للنووي (3/218، 220).
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/147).
((الإنصاف)) للمرداوي (2/15).
((كشاف القناع)) للبهوتي (1/312).
((التمهيد)) (17/54، 55).